الدبلوماسية الموريتانية: اتفاقيات أبراهام ومجموعة لاهاي، أي خيار بين الفريقين؟

بينما تُعاد رسم الخطوط الدبلوماسية على المستوى العالمي، يبدو أن بلدنا محاصر بين منطقين: الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام التي أطلقتها إدارة +ترامب+ عام 2020، أو التقارب مع “مجموعة لاهاي”، التي أُنشئت مؤخرًا للدفاع عن نظام دولي قائم على احترام القانون.
ومن الضروري أولاً التذكير بأن المجتمع الموريتاني، في غالبيته الساحقة، يرفض فكرة تطبيع العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية الحالية. وتُجسد التظاهرات المناهضة لإسرائيل المتزايدة في البلاد هذا الرفض بشكل واضح. ويرتكز هذا الرفض ليس فقط على انعدام آفاق السلام الدائم، بل أيضًا على الانتهاكات الموثقة على نطاق واسع ضد المدنيين الفلسطينيين، هي إبادة جماعية واضحة بالنسبة للموريتانيين، وكذلك للرأي العام العالمي. وتُعدّ ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لرئيس الوزراء الإسرائيلي +بنيامين نتنياهو+ (ويؤاف غالانت) دليلاً إضافيًا على الجرائم التي ارتكبها المتطرفون اليهود الإسرائيليون.
ومع ذلك، بدأت نواكشوط، في المراحل الأولى وتحت تأثير دولة الإمارات العربية المتحدة، مناقشات بشأن احتمال الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام. وقد دُعيت موريتانيا إلى اللحاق بمبادرة أُطلقت في 15 أغسطس 2020، وأسفرت عن توقيع اتفاق ثلاثي بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، برعاية +دونالد ترامب+. وكان الهدف المعلن من قبل الولايات المتحدة هو إعادة هيكلة التحالفات في الشرق الأوسط، لكن هذه الاتفاقات فُسّرت – بأثر رجعي – في الدول العربية والإسلامية على أنها التفاف على الإجماع العربي حول القضية الفلسطينية، وعلى حساب عملية السلام المنبثقة عن اتفاقيات +أوسلو+.
وتُبرر هذه الاتفاقيات أيضًا بتحالف هذه الدول في جبهة موحدة ضد إيران، ما يجعل عدداً من الانظمة الخليجية تصطف مع المصالح الاستراتيجية لإسرائيل والولايات المتحدة. وفي ظل السياق الحالي – الذي يتسم بأحداث 7 أكتوبر 2023 والقمع العنيف الذي تلاها في غزة – ستكون أي محاولة للتطبيع خطوة سياسية محفوفة بالمخاطر بالنسبة للحكومة الموريتانية، في مواجهة رأي عام داخلي متضامن بعمق مع الشعب الفلسطيني.
وفي هذا المناخ، ظهرت بديل آخر و هو +مجموعة لاهاي+، التي تأسست في يناير 2025 استجابةً لتراجع التعددية القطبية وتآكل القانون الدولي. وتضم هذه المجموعة 32 دولة من مختلف أنحاء العالم، وتهدف إلى إعادة التأكيد على أولوية القانون في مواجهة منطق القوة. ومع ذلك، لم تتخذ موريتانيا بعد موقفًا واضحًا بشأن احتمال انضمامها، كما لم تعلّق على تأسيس هذه المجموعة.
ويبقى التحدي أمام الحكومة قائمًا: هل تنضم إلى ديناميكية جيوسياسية مثيرة للجدل، مع خطر الاصطدام بالرأي العام الوطني؟ أم تنخرط في مبادرة دولية تهدف إلى إعادة القانون إلى قلب العلاقات بين الدول، رغم هشاشتها الحالية؟ هذا الخيار، الذي يبدو في ظاهره معضلة، قد يكون أقل تعقيدًا إذا ما استمعت الدبلوماسية الموريتانية لتطلعات الموريتانيين العميقة، ولما تؤمن به هي نفسها.
ترجمة