إصلاحات نظامية في الجمعية الوطنية: الهدف كان تعطيل عمل لجان التحقيقات البرلمانية

لم تتوانَ المعارضة عن توجيه انتقادات لاذعة إصلاحات النظام الداخلي للجمعية الوطنية، معتبرة أن هناك “تشديدًا في شروط إنشاء لجان التحقيق البرلمانية”، وهو ما يُعدّ، في نظرها، مكافأة على الإفلات من العقاب.
رغم انتهاء الدورة البرلمانية، لا تزال إصلاحات النظام الداخلي للجمعية الوطنية تثير جدلاً واسعاً. فبالنسبة للأغلبية، يُعدّ النص تقنياً يهدف إلى “تحديث عقلاني” لعمل البرلمان. أما بالنسبة للمعارضة، فهو محاولة شبه معلنة لتحييد أحد آخر أدوات الرقابة المتاحة للنواب: لجان التحقيق البرلمانية.
تتهم المعارضة النظام بالسعي من خلال هذه الإجراءات إلى تعزيز الغموض وضمان الإفلات من العقاب للمسؤولين العموميين.
بينما أن حزب تواصل، أكبر حزب معارض ممثل في الجمعية الوطنية، شارك في لجنة الإصلاح الاغلبية.
“عرقلة للشفافية”، بحسب المعارضة
هذا التغيير يثير غضب العديد. وبالنسبة لمحمد الأمين ولد مولود، فإن النص الجديد الذي أُضيفت إليه 42 مادة، يُغيّر بشكل جوهري طريقة تشكيل لجان التحقيق البرلمانية. هذه اللجان، التي أصبحت رمزاً في “قضية العقد” – تحقيق موسع في تسيير الأموال العامة في عهد النظام السابق – باتت اليوم أكثر صعوبة في التفعيل.
النائب المعارض ولد سيدي مولود من بين أكثر المنتقدين صراحة لهذا الإصلاح. وفي مقابلة مع قناة الصحراء 24، قال بلهجة حادة: “هذا النظام الداخلي صُمم خصيصاً لعرقلة أي محاولة لكشف اختلاس الأموال العامة”.
قبل 2019، كانت الإجراءات بسيطة نسبياً: يمكن إنشاء لجنة تحقيق بطلب من 10 نواب من كتل مختلفة، أو من كتلة برلمانية واحدة فقط، أي ما يعادل 7 نواب، بحسب شرح ولد مولود.
وفي حال عدم وجود اعتراض على مشروع تشكيل اللجنة خلال 24 ساعة، أو إذا لم يعارض ثلثا النواب، يتم إنشاء اللجنة تلقائياً.
لكن، حسب ولد مولود، ومنذ تعديل سري في 2022 لم يُسلط عليه الضوء إعلامياً، تغيرت القواعد. بات من الضروري الآن موافقة 20 نائباً على الأقل. كما تم تمديد فترة الاعتراض من 24 إلى 72 ساعة، وأصبح من الممكن سحب القرار إذا طلب ذلك ثلثا النواب الحاضرين – وهو شرط بات أسهل تحقيقه في ظل غياب كثير من النواب.
أما آخر تشديد تم إدخاله، يقول ولد مولود فهو أن تشكيل لجنة تحقيق يتطلب موافقة ما لا يقل عن 7% من النواب المنتمين إلى كتلتين برلمانيتين مختلفتين. بينما يمكن للغالبية الحاضرة من النواب رفض إنشائها، مما يزيد بشكل كبير من قدرة الأغلبية على التعطيل، بحسب تعبير ولد مولود.
نواب تابعون للسلطة التنفيذية
يعبر ولد مولود عن دهشته من هذا الإصلاح الذي تم “تحت إشراف وزارة العدل”.
ويؤكد أن المادة 124 من النظام الداخلي الجديد تُجبر رئيس الجمعية الوطنية على إبلاغ وزير العدل بأي محاولة لتشكيل لجنة تحقيق.
والأدهى، وفقاً له، أن الوزير يمكنه، بعد تشكيل اللجنة، أن يطلب وقف عملها بدعوى أن تحقيقاً قضائياً قد تم فتحه من قبل السلطة القضائية.
“هذا خضوع غير مسبوق للسلطة التشريعية أمام التنفيذية”، يندد ولد مولود.
ويرى أن هذا الإجراء يُفرغ الدور الرقابي للبرلمان من محتواه الحقيقي.